فصل: سنة اثنتين وخمسين وست مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة تسع وأربعين وست مائة

أقامت عساكر الشام على غرة نحوًا من سنتين خوفًا من المصريين وترددت الرسل بين الناصر والمعز‏.‏

وفيها تملك المغيث ابن الملك العادل ابن الكامل الكرك والشويك سلمها إليه متوليها الطواشي صواب‏.‏وفيها توفي العلامة أبو الحسن علي بن هبة الله اللخمي المصري الشافعي المقرىء الخطيب المعروف بابن الحميري سمع بدمشق من الحافظ ابن عساكر وببغداد من شهدة وجماعة وقرأ القراءات على أبي الحسن البطايحي وقرأ كتاب المهذب على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون والقاضي أبو سعد علي القاضي أبي علي الفارقي عن مؤلفه الشيخ الإمام أبي إسحاق وسمع بالاسكندرية من السلفي وتفرد من زمانه ورحل إليه الطلبة ودرس وأفتى وانتهت إليه مشيخة العلم بالديار المصرية والأمير الصاحب جمال الدين ابن مطروح أبو الحسن يحيى بن عيسى المقرىء اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح ابن الملك الكامل ابن الملك العادل ابن أيوب فلما اتسع ملكه ولاه نائبًا عنه ولم يزل يقرب منه ويحظى عنده إلى أن ملك دمشق فرتب لها نوابًا وصار ابن مطروح في صورة وزيرها ثم سيره مع عسكر وجهه إلى حمص لاستنقادها من ثواب الملك الناصر الملك العزيز ثم بلغه أن الفرنج اجتمعوا بجزيرة قبرص على عزم الديار المصرية فسير إلى العسكر المذكور يعودون لحفظ الديار المصرية فعادوا وابن مطروح في خدمة الملك الصالح والملك الصالح متغير عليه الأمور نقمها عليه فواظب على الخدمة مع الإعراض عنه ولما مات الملك الصالح وصل ابن مطروح إلى مصر وأقام بها في داره ولم يزل ابن مطروح مطروحًا من الولايات إلى أن مات هذه نبذة مختصرة من أحواله على الإجمال وكانت أوقاته جميلة وحالاته حميدة جمع بين الفضل والمروءة والأخلاق الرضية وله ديوان شعر من جملته قوله في بعض قصائده‏:‏

سلبته مني يوم باتوا **مقلة مكحولة أجفانها بسواد وله بيتان ضمنهما بيت المتنبي وأحسن فيهما وهما‏:‏

إذا ما سقاني ريقه وهو باسم ** تذكرت ما بين العذيب وبارق

ويذكرني من قده ومدامعي ** مجرى عوالينا ومجرى السوابق

وهذا البيت للمتنبي في قصيدة له بديعة وهو‏:‏

تذكرت ما بين العذيب وبارق ** مجرى عوالينا ومجرى السوابق قال ابن خلكان‏:‏ وبلغني أنه كتب رقعة يتضمن شفاعته في قضاء شغل بعض أصحابه إلى بعض الرؤساء وكتب فيهم لولا المشقة فلما وقف عليها ذلك الرئيس قضى شغله وفهم قصده وهو قول المتنبي‏:‏ لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال هذا من لطيف الإشارات‏.‏

 سنة خمسين وست مائة

فيها توفي الكمال إسحاق بن أحمد المعري الشافعي المفتي تلميذ ابن الصلاح كان وفيها توفي العلامة أبو الفضائل رضي الدين الحسن بن محمد الصغاني العدوي العمري الهندي اللغوي نزيل بغداد كان إليه المنتهى في معرفة اللغة له مصنفات كبار في ذلك وله تبصرة في الفقه والحديث مع الدين والأمانة‏.‏

وفيها توفي سعد الدين بن حمويه محمد بن المؤيد الجويني الصوفي كان صاحب أحوال ورياضات وله أصحاب ومريدون وكلام سكن سفح قاسيون مدة ثم رجع إلى خراسان فتوفي هناك‏.‏

 سنة إحدى وخمسين وست مائة

وفيها توفي شيخ الشيوخ السيد الجليل العارف بالله أبو الغيث ابن جميل اليمني ذو المقامات العلية والأحوال السنية والأنفاس الصادقة والكرامات الخارقة والفتح العظيم والفضل الجسيم منبع الأسرار ومطلع الأنوار شيخ الزمان والمشار إليه من بين الأقران صاحب المظهر الباهر العظيم الشأن الذي أشرت إليه فيما تضمنه هذان البيتان‏.‏

أيا سيدكم ساد بالفضل سيدًا بكل زمان ثم كل مكان إذا أهل أرض فاخروا بشيوخهم أبو الغيث فينا فخر كل يمان كان قدس الله روحه عبدا يقطع الطريق فبيناه وكامن للقافلة فسمع هاتفًا يقول‏:‏ ياصاحب العين عليك أعين فوقع منه ذلك موقعا أزعجه عما كان عليه وأقبل به إلى الإقبال على الله والإنابة إليه وصحب في بدايته الشيخ الكبير الولي الشهير المعروف بابن أفلح اليمني حتى زكت نفسه وتنور قلبه وظهر عليه صدق الإدارة وسيماء السعادة وبدت منه بعض الكرامات في الأوقات‏.‏

من ذلك أنه خرج يحتطب في وقت ومعه حمار يحمل عليه حطب فبينا هو يجمع الحطب في بعض البراري وثب الأسد على حماره فافترسه فلما جاء بالحطب ليحمله وجده قد مات وقال للأسد‏:‏ تقتل حماري على أي شيء أحمل حطبي وعزة المعبود ما أحمله إلا على ظهرك فجمع الحطب وحمله عليه وهو هين لين مطيع وساقه إلى أن وصل به إلى طرف البلد ثم حط عنه الحطب وقال له‏:‏ اذهب ومن ذلك أيضا أن زوجة شيخه المذكور طلبت شري عطر من السوق فذهب ليشتري لها فكلم بعض العطارين في ذلك فقال العطار‏:‏ ما عندي شيء فقال له أبو الغيث‏:‏ ما عندك شيء فانعدم في الحال جميع ما في دكان العطار فجاء إلى الشيخ يشكو إليه ما جرى على حوائجه من أبي الغيث فاستدعى به الشيخ وخاصمه بسبب اظهار ما ظهر له من الكرامة وقال له‏:‏ سيفان لا يصلحان في غمد واحد اذهب عني فدار له أبو الغيث وتضرع والتزم به فأبى أن يصحبه فذهب يلتمس من يصحب من الشيوخ لينتفع به فكل من التمس منه يقول‏:‏ اكتفيت ما تحتاج إلى شيخ حتى جاء إلى الشيخ الكبير العارف بالله الخبير السيد المبجل المعروف بعلي الأهدل فالتمس منه الصحبة فأنعم له بذلك‏.‏

قال أبو الغيث فلما صحبته كأني قطرة وقعت في بحر وقال أيضاً‏:‏ كنت عند ابن أفلح لؤلؤة بهما فثقبها الأهدل وعلقها في عنقي قلت‏:‏ كأنه يشير إلى أن محاسن أحواله المشكورة كانت عند ابن أفلح مستورة فلما صحب الأهدل أظهر محاسنه التي يجليها عليه لكل من يجتليها‏.‏

ومن كراماته أيضا أن الفقراء قالوا له‏:‏ نشتهي اللحم فقال‏:‏ في اليوم الفلاني إن شاء الله تعالى تكلون اللحم وكان يوم سوق يجتمع فيه القوافل فلما جاء ذلك اليوم جاء الخبر أن قطاع الطريق الحرامية نهبوا القافلة فلما كان بعد ساعة جاء واحد من القطاع يثور إلى الشيخ فقال الشيخ للفقراء‏:‏ اذبحوه واطبخوه وخلوا رأسه على حاله ثم جاء آخر أيضاً منهم يحمل حب فقال لهم الشيخ‏:‏ اطحنوه واخبزوه ففعلوا جميع ذلك ثم فتوا العيش وأدموه فقال الشيخ للفقراء‏:‏ كلوا فدعا الفقراء الفقهاء إلى الأكل معهم فامتنعوا فقال الشيخ للفقراء‏:‏ كلوا الفقهاء ما يكلون الحرام فأكلوا حتى فرغوا وإذا بإنسان قد جاء إلى الشيخ وقال‏:‏ يا سيدي نذرت للفقراء بثور فأخذه الحرامية فقال له الشيخ‏:‏ تعرف رأس ثورك إذا رأيته‏.‏

قال‏:‏ نعم أعرفه فأمر الشيخ بإحضار ذلك الرأس فأحضروه فلما رآه ذلك الإنسان قال‏:‏ هذا رأس ثوري بعينه ثم جاء إنسان آخر وقال‏:‏ يا سيدي نذرت للفقراء حمل حب فنهب مني فقال له الشيخ‏:‏ قد وصل إلى الفقراء متاعهم فلما رأى الفقهاء ذلك ندموا على ترك موافقة الفقراء وبقوا يضربون يدا على يد وله أيضا رضي الله تعالى عنه ما يطول ذكره بل لا يستطاع حصره من الكرامات الظاهرات والآيات الباهرات‏.‏

وله كلام عظيم في الحقيقة والتربية في سلوك الطريقة جمع بعضه في كتاب مستقل من ذلك قوله‏:‏ يجب على من نزلت به أخلاط أول ما يبدأ استخراج القيء بريشه خوف الفوت ويغتسل بعد ذلك من ماء عين الندامة بقصد العزلة في كهف جبل الانقطاع أيسًا من الأنس بما دون الله تعالى ويشرب من ماء شحوم حنظل الصبر ويستنشق بدهن أشجار الحزن ويطعم من صحيح غذاء التوكل ثم يكتحل بقشر عود الغرام ولا ينام بعد ذلك حتى ينظر أنوار أثمار أشجار التوفيق ثم يجلس على بساط قدم الصدق والتصديق منتظرا لما يرد من عجائب إبريز التحقيق وصحيح حلول الفقر والعجز والافتقار الذي أنعم به تعالى به النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ونعم الرقيق فحينئذ يبرأ العليل ويرجع إلى ما كان عليه خلقه أول مرة فيكون حياته لله وموته لله لا لنفسه بذلك جرى قلم الحكيم القديم المتفضل بالتأبيد في محل الحضرة على المنهج العبدي والقانون الفقري الذي وجب أن لا يكون الفقر أزلاً وأبداً لنفسه وجرى الآن لسان الفقر لوجوب ترك التدبير لصحة الإرادة وتلقي ما يرد لصحة الرضاء والتزام ما لا يلزم حبا لله وشوقا إليه كما قد وجب على من يعيده فإذا التزم ما لا يلزم صفات الحق للحق وأوصله إلى علم أنه يصل به فيكون الحق أوصله لا هو وصل وبعد وجود ما يجب أيضًا على المريد اتيانه علمًا ورسمًا يظهر علوم أزلية يتعلق بصفة القديم المتفضل القدوس لا يعرف العالم بها إن الله تعالى يعصى أو يتعدى أحد مراده والله بكل شيء عليم‏.‏قلت وآخر كلامه هذا يشبه قوله أيضأ‏:‏ كل خيال نقاب لوجه الأمر العزيزي والأمر العزيزي نقاب لجلال الله وجمال سبحات وجه الله الكريم فرضًا لأن لايبرز من ذلك الجلال ذرة فلا يبقى أحد من الثقلين ولا من سواهما يعرف لله تعالى طاعة ول اعصيانًا قلت‏:‏ وقد أشرت إلى ما يظهر من معناه والله أعلم في ترجمة الشيخ عبد القادر في سنة اثنتين وستين وخمس مائة‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ أن الحس والمحسوس حجاب عن الله تعالى فإذا ظهر سلطان حب الله تعالى بنور حياة القلب بالله أحرق حراريق الهوى بنار سلطانه الذي لا يقدر أحد أن ينفيه‏.‏

وقال أيضًا‏:‏ إذا طلعت شمس من أفق قبلة الغيب إلى الأفق الأعلى أخذ كل من في الأفق الأدنى نصيبه من شعاعها وليس كل مدرك بالحسن هو هي فأما إذا طلعت من كل مكان وانتفت روية التعاقب عنا يقينًا لم يبق ليل ولا نهار ولم يبق كفر ولم يبق اسلام ووجب حينئذ ظهور الشيء الذي حالت بيننا وبين الأحوال وكثرت المقالات والأفعال كما يحول السحاب يقيناً فإذا لم يبق حائل ظهر الشيء الذي لا يشبه شيئًا وغبناعنا وصرنا كالنجوم عند طلوع الشمس لا غياب بشرط الفناء ولا حضور شرط البقاء فإن كنت هاهنا رأيت ما رأينا وإن لم تر شيئا فكن حجراً صماً يدق بك النوى‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ إذا اختلط ماء الأمطار بماء البحر كان منه الدر واللؤلؤ والياقوت الأحمر قطعًا قلت‏:‏ ويحتمل أنه يعني إذا اختلط ماء أمطار غيث الفضل المنهمل من سحاب الجود عند مشاهدة الجمال وشرب كؤوس الوصل بماء بحر توحيد القلوب المنورة الطيبة الزكية المطهرة يكون من ذلك المطرد والمعارف ولؤلؤ العلوم وياقوت الحكم الأحمر ويحتمل إذا اختلط ماء أمطار العلوم الباطنة بماء بحر العلوم الظاهرة في ظروف القلوب الطاهرة‏.‏

وقال‏:‏ إن عبيد الهوى حلالا ًوحرامًا عبيد لمن تملك الهوى يقينًا في صحيح الفقر قطعاً قلت‏:‏ ومما يناسب قوله لجماعة من الفقهاء أتوا إلى زيارته‏:‏ مرحبا ًبعبيد عبدي فرجعوا عنه منكرين ذلك أشد الإنكار فصادفوا شيخ الطريقين وإمام الفريقين إسماعيل بن محمد الحضرمي المشهور فذكروا له ذلك فضحك وقال‏:‏ صدق أنتم عبيد الهوى والهوى عبده وأي وقت يحكم الهوى على المريد يقينًا فصل عن الله تعالى بعلة والعياذ بالله العظيم ولا شك أن الله تعالى خلق كل دابة ماء مهين معلول بعلة وأما ما خلق الله تعالى مما ليس منا أحد يعرفه أول مرة فهو من نور جلال جمال وجه الله الكثير الحمد لله رب العالمين‏.‏

اعلة‏.‏

وقال‏:‏ إن لهيب نار قلوب المخلصين بالحق تحرق الشياطين وأتباعهم يقيناً كمثل ما تحرق النار الحطب قولاً واحدًا‏.‏وقال‏:‏ أما بعد فإنا نظرنا فيما يفسد عقول المريدين فإذا هو من روية ثواب العمل وفساد القلوب من حب الدنيا البتة والحرص والطمع واتباع الهوى وفساد الأرواح من حب البقاء وطول الأمل فلهذا يجب على المريد الزهد في نفسه لأنها هي محل العلل ومنزل الغفلة عن الله تعالى فإذا أراد المريد صلاح قلبه وصفاء لبه قتل نفسه بسيف الصدق وطرحها في قبر الانقطاع ودفنها بترك التدبير وتلقى ما يرد عليه من القضاء بالرضاء والتسليم والأنس بخيرة الله والسكون إلى حكمة الله وبالله التوفيق‏.‏

وقال أيضًا لما كاتبه الملك المنصور سلطان اليمن في وصفه الكيمياء متهمًا له بمعرفتها ومطالبًا له بتعليمها إذا طرح الإيمان والتوحيد واليقين والتوكل والرضاء في بوطة حب الله تعالى وسخن بنار الشوق والتوحيد صار منه أكسير يستحيل الكون بطبعه ربوبية صرفاً الحمد لله رب العالمين‏.‏

اعبودية والسلام‏.‏

وقال أيضاً في جواب كتاب أتاه من الشريف الإمام أحمد بن الحسين أيام خرج وقد دعاه إلى البيعة له‏:‏ ورد كتاب السيد ففهمنا مضمونه ولعمري إن هذا سلكه الأولون وأقبل عليه الأكثرون غير أنا نفر مذ سمعنا قوله تعالى له دعوة الحق لم يبق لإجابة الخلق فينا متسع وليس لأحد منا أن يشهر سيفه على غير نفسه ولا أن يفرط في يومه بعد أمسه فليعلم السيد فراغنا لمارام فيعذر المولى والسلام قلت‏:‏ وله من الكلام في الحقائق الغامضات الدقائق ما لا يفهمه إلا الخواص من الخلائق من العطايا ومن المواهب الجسيم ما لا ينال إلا من فيض فضل الله العظيم وكنت قد رأيته في المنام هو والسيد المشكور إسماعيل بن محمد الحضرمي المشهور في ليلة واحدة وقال لي أحدهما وأظنه الشيخ أبا الغيث‏:‏ إنا ما فتح علي إلا بعد الخمسين فقلت له‏:‏ يا سيدي هذه بداية الفتح أم نهايته فقال لي‏:‏ يا ولدي إذا جاء فضل الله جاء دفعة واحدة ففهمت أنه يعني بذلك الجذبة من جذبات الحق يفنى العبد عن نفسه وعن الخلق وإليه وإلى شيخه المذكورين أشرت في غزل هذين البيتين من قصيدة في مدح شيوخ اليمن‏:‏ سقت تلك نهلا ًحورة أفلحية وعل احرود من ملاح إلا هادل خليلي في حب الملاح تغزلاً بسلمى ومن في ربعها من حلائل وزور أملاح الحي من كل حورة يمانية يمنًا وحسنا كوامل وعوجًا على أحبانا بعواجه وبلا ربها بالدموع الهواطل وقلت‏:‏ فيها بالتصريح بعد كناية الغزل والتلويح‏:‏ ملوك البرايا ليس يشقى جليسهم لهم بيض رايات العلى في المحافل كساداتنا منهم شموس عواجة إلى الحكمي السامي انتساب الأفاضل ومثل أبي الغيث المقدم في العلى كبحر بعيد الغور نأي السواحل وشيخه ذي المجد النجيب ابن أفلح وأهد لهم صدر الكبار الأماثل قلت‏:‏ وقد أنخت رواحل الأخبار عنه بساحة الاختصار في منازل هذا المقدار‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الملك الصالح صلاح الدين ابن الملك الطاهر غازي ابن ‏.‏

الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب‏.‏

وفيها توفي الإمام العلامة كمال الدين عبد الواحد ابن خطيب زملكان عبد الكريم بن خلف الأنصاري السماكي الشافعي المعروف بابن الزملكاني صاحب علم المعاني والبيان كان ذكيًا سريًا ذا فنون ولي قضاء صرخد ودرس ببعلبك وتوفي بدمشق وله نظم رائق‏.‏

وفيها توفي الشيخ محمد ابن الشيخ الكبير عبدالله الجويني‏.‏

وفيها توفي صاحب الشيخ عبدالله المذكور الشيخ عثمان البعلبكي صاحب أحوال وكرامات ورياضات ومجاهدات‏.‏

 سنة اثنتين وخمسين وست مائة

فيها تسلطن الملك المعز عز الدين‏.‏

وفيها توفي الأمير فارس الدين الزكي الصالحي أقطاي كان موصوفًا بالشجاعة والكرم اشتراه الصالح بألف دينار فلما اتصلت السلطنة إلى الملك المعز بالغ أقطايا في الإدلال والتبختر وبقي يركب ركبة ملك وتزوج بابنة صاحب الحماة وقال للمعز‏:‏ أريد أن أعمل العرس في قلعة الجبل فادخلها إلي وكان يدخل الخزائن ويتصرف في الأموال وأنفق المعز وزوجته شجر الدر عليه ورتبا من قتله وغلقت أبواب القلعة فركب مماليكه وكانوا سبع مائة وأحاطوا بالقلعة فألقى إليهم رأسه فهربوا وتفرقوا‏.‏

وفيها توفي مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبدالله الحراني الحنبلي‏.‏

بارعاً في الفقه والخلاف ولي الوزارة ثم زهد وجمع نفسه توفي بحلب في شهر رجب وقد جاوز السبعين وله دائرة الحروف قلت‏:‏ وابن طلحة المذكور لعله الذي روى السيد الجليل المقدار الشيخ المذكور عبد الغفار صاحب الزاوية في مدينة قوص قال أخبرني الرضي ابن الأصمع قال‏:‏ طلعت جبل لبنان فوجدت فقيراً فقال لي‏:‏ رأيت البارحة في المنام قائلاً يقول‏.‏

لله درك يا بن طلحة ما جدا ترك الوزارة عامداً فتسلطنا لا تعجبوا من زاهد في زهده في درهم لما أصاب المعدنا قال‏:‏ فلما أصبحت ذهبت إلى الشيخ ابن طلحة فوجدت السلطان الملك الأشرف على بابه وهو يطلب الأذن عليه فقعدت حتى خرج السلطان فدخلت عليه فعرفته بما قال الفقير فقال‏:‏ إن صدقت رؤياه فأنا أموت إلى أحد عشر يومًا وكان كذلك‏.‏

قلت‏:‏ وقد يتعجب من تعبيره ذلك لموته وتأجيله بالأيام المذكورة والظاهر والله أعلم‏.‏

أنه أخذ ذلك من حروف بعض كلمات النظم المذكور وأظنها والله أعلم قوله‏:‏ أصاب المعدن فإنها أحد عشر حرفاً وذلك مناسب من جهة المعنى فإن المعدن الذي هو الغني المطلق والملك المحقق ما تلقونه من السعادة الكبرى والنعمة العظمى بعد الموت‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي السديد المكي الدمشقي العدل آخر أصحاب الحافظ أبي القاسم بن سنة ثلاث وخمسين وست مائة وفيها توفي الشهاب القوصي أبو المحامد إسماعيل بن حامد الأنصاري الشافعي‏.‏

روى عن جماعة وخرج لنفسه معجمًا في أربع مجلدات كبار‏.‏

قال الذهبي‏:‏ وفيه غلط كثير وكان أديبًا إخباريًا فصيحًا مفوها ًبصيرًا بالفقه‏.‏

وفيها توفي الإمام المفتي المعمر ضياء الذين الكلبي الشافعي وفيها توفي النظام البلخي محمد بن محمد الحنفي نزيل حلب كان فقيهًا مفسراً بصيرًا بالمذهب‏.‏وفيها توفي أبو الحجاج يوسف بن محمد الأنصاري أحد فضلاء الأندلس وحفاظها المتقنين كان أديباً عارفاً فاضلاً مطلعاً على أقسام كلام العالم من النظم والنثر وراوياً لوقائعها وحروبها وأيامها‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ بلغني أنه كان يحفظ كتاب الحماسة تأليف أبي تمام الطائي والأشعار الستة وديوان أبي تمام المذكور وديوان المتنبي وديوان أبي العلاء المعري وسقط الزند إلى غير ذلك من أشعار الجاهلية والإسلام وجمع للأمير أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد صاحب افريقية كتابا سماه كتاب الأعلام بالحروب الواقعة في صدر الإسلام وابتدأ فيه بمقتل أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه وختمه بخروج الوليد بن طريف على هارون الرشيد ببلاد الجزيرة الفراتية وقد تقدم ذكر تلك الواقعة ومقتل الوليد فيها‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ ورأيت هذا الكتاب المجموع فطالعته وهو في مجلدين أجاد في تصنيفه وكلامه فيه كلام عارف بهذا الفن قال‏:‏ ورأيت له أيضاً كتاب الحماسة في مجلدين وقد قرأت النسخة عليه وعليها خطه وذكر فيه ولوعه الأدب ومحبته لكلام العرب وحملها له على جمع استحسنه من أشعارهم جاهليها ومخضرميها وإسلاميها ومولدها فلم أجد أقرب تبويب ولا أحسن ترتيب مما بويه ورتبه أبو تمام حبيب بن أوس في كتابه المعروف بكتاب الحماسة وحسن الإقتداء به والتوخي لمذهبه لتقدمه في هذه الصناعة وانفراده منها في أوفر حظ وأنفس بضاعة فاتبعت في ذلك مذهبه ونزعت منزعه وقرنت الشعر بما يجانسه ووصلته بما يناسبه ونقحت ذلك واخترته على قدر استطاعتي وبلوغ جهدي وطاقتي‏.‏

ومما نقل في كتابه المذكور قول العباس بن الأحنف المشهور‏:‏ تحمل عظيم الذنب ممن تحبه وإن كنت مظلومًا فقل‏:‏ أنا ظالم فإنك إن لم تغفر الذنب في الهوى يفارقك من تهوى وأنفك راغم بالله ربكما عوجا على سكني وعاتباه لعل العتب يعطفه وعرضا لي وقولا في حديثكما ما بال عبدك بالهجران تتلفه فإن تبسم قولاً في ملاطفة ما ضر لو بوصال منك تسعفه وإن بدا لكما من سيدي غضب فغالطاه وقولا‏:‏ ليس نعرفه وقول المجنون‏:‏ تعلقت ليلى وهي عني صغيرة ولم يبد للأتراب من ثديها عجم صغيرين ندعى البهم بالبيت أننا إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم البهم الصغار من أولاد الضأن الواحد بهمة بفتح الموحدة وسكون الهاء‏.‏

وما تقدم في ترجمة ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومما ينسب إليه أنه قال حين كف بصره‏:‏ إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي لساني وقلبي منهما نور قلبي ذكي وذهني غير في دخل وفي فمي صارم كالسيف مطرور سنة أربع وخمسين وست مائة فيها كان ظهور النار بظاهر المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وكانت من آيات الله العظام قيل‏:‏ ولم يكن لها حر على عظمها وشدة ضوئها وهي التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى فظهرت بظهورها معجزة والآية العظمى التي أخبر بها صلى الله عليه وآله وسلم بقوله في الحديث الصحيح‏:‏ ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى يظهر نار بالحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى ‏"‏ وكان نساء المدينة يغزلن على ضوءها بالليل على سطح البيوت وبقيت أيامًا وظن أهل المدينة أنها القيامة وضجوا إلى الله وتواتر أمر هذه الآية وكان ظهورها في جمادى الآخرة من واد يقال له‏:‏ وادي أحيليين بالحاء المهملة والياء المثناة من تحت المكررة ثلاث مرات وضم الهمزة في أوله في الحرة الشرقية تدب دبيب النمل إلى جهة الشمال وتأكل ما أتت عليه من أحجار أو جبال ولا تأكل الشجر حتى أن بعض غلمان الشريف منيف بن سبحة صاحب المدينة الشريفة يومئذ أرسله الشريف المذكور مع آخر ليختبرا هل يقدر أحد على القرب منها لكون الناس هابوها لعظمها فذهبا إليها وقربا منها فلم يجد لها حراً فأدخل الغلام المذكور سهماً له فيها فأكلت النصل دون العود ثم قلبه فيها وأدخله من جهة الريش فأكلت الريش حسب‏.‏وذكر بعض الناس أن علة عدم أكلها للشجري كونه صلى الله عليه وآله وسلم حرم شجر المدينة وهذا الذي ذكره إنما يصح لو كان السهم المذكور متخذاً من شجر حرم المدينة قلت‏:‏ والذي ظهر والله أعلم أن هذه النار لما كانت آية في آيات الله العظام جاءت خارقة للعادة مخالفة في تأثيرها للنار المعتادة فإن النارالمعهود منها أكل الخشب دون الحجر فجاءت هذه العكس من تلك تأكل الحجر دون الخشب وهذا أبلغ في الغزو أقوى في الأثر والله أعلم فكانت تثير كل ما مرت عليه حتى يصير سداً لا مسلك فيه لإنسان ولا عابة حتى أنها سدت وادي الشطاه مسد عظيم بالحجر المبسوك بالنار حتى قال بعض المؤرخين في معرض التعظيم له‏:‏ ولا كسد ذي القرنين طولاً وعرضاً وارتفاعاً‏.‏قلت‏:‏ وهذا تساهل منه في مبالغة لا ينبغي أن يتساهل بمثلها فإن الله تعالى قد أخبر أن ياجوج‏.‏

وماجوج مع كثرتهم‏.‏وقوتهم ما استطاعوا له صعوداً ولا نقبا وانقطع بسبب ذلك سيل وادي الشطاه وانحبس عون السد المذكور وكان يجتمع الماء خلفه حتى يصير بحرًاله مد البصر عرضاًوطولاً كأنه نيل مصر عند زيادته ثم انخرق هذا السد من تحته في سنة تسعين وست مائة لتكاثر الماء خلفه فجرى في الوادي المذكور سنة كاملة يملأ ما بين جنبي الوادي وهذا الخرق المذكور ينقص ما ذكروا من تشبيهه بسدذي القرنين ثم انخرق مرة أخرى في العشر الأول بعد السبع مائة فجرى سنة كاملة وأزيد ثم انخرق في سنة أربع وثلاثين وسبع مائة وكان ذلك بعد توتر أمطار عظيمة في الحجاز في تلك السنة وكثر الماء وعلا من جانبي السد ومن دونه مما يلي الجبل وغيره فجاء سيل طام لا يوصف ومجراه ملاصق لقبة حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه وقيل‏:‏ جبل عنيين بفتح العين المهملة وكسر النون بين المثناة من تحت الساكنين وفي آخره نون‏.‏

قلت‏:‏ ولعله الجبل الن‏!‏ ي أمر صلى الله عليه واله وسلم الرماة أن يقفوا عليه وحفر السيل المذكور الدور وأخر قتلى الجبل المذكور وبقيت القبة والجبل المذكور أن في وسط السيل وتمادت مدة جريه قريباًمن سنة‏.‏قلت‏:‏ وهذاالسيل المذكور قد شاهدته وأقمت عنده أيامًا وليالي وكشف عن عين قديمة قبل الوادي فجددهاالأمرودي صاحب المدينة الشريفة‏.‏

وفي السنة المذكورة أول ليلة من رمضان ليلة الجمعة احترق المسجد الشريف النبوي بعد صلاة التراويح على يد فراش في الحرم الشريف عرف بأبي بكر المراغي لسقوط ذبالةيده في المساق عن غير اختيار منه حتى احترق هو أيضاً واحترق جميع سقف المسجد الشريف حتى لم يبق إلاالسواري قائمة وحيطان المسجدالشريف والحائط الذي بناه عمر بن عبد العزيز حول حائط الحجرة الشريفة المجعول على خمسةأركان لئلا يصل إلى الضريح الطاهر الشريف ووقع ما ذكرنامن الحريق بعدأن عجزعن إطفائه كل فريق‏.‏

ثم سقف المستعصم في سنة خمس من ذلك الحجرة الشريفة وما حولها إلى الحائط القبلي وإلى الحائط الشرقي إلى بات جبرائيل عليه السلام المعروف قديمًا بباب عثمان ومن جهة المغرب إلى المنبر الشريف ثم قتل الخليفة المستعصم في أول السنة السادسة فوصلت الآلات من مصر من صاحبها يومئذ الملك المنصورعلى ابن الملك المعز الصالحي ووصل أيضًامن صاحب اليمن يومئذ الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول الآت وأخشاب فعملوا إلى باب السلام المعروف قديمًابباب مروان ثم عزل صاحب مصر وتولى مكانه مملوك أبيه الملك المظفر سيف الدين قطر سنة ثمان وخمسين فكان العمل في تلك السنة من باب السلام إلى باب الرحمة المعروف قديماًبباب عاتكة ابنة عبدالله بن زيد بن حارثة كانت لها دار مقابل الباب فنسب إليها ومن باب جبرائيل إلى باب النساء المعروف قديمًا بباب ريطة ابنة أبي العباس السفاح وتولى مصر اخرتلك السنة الملك الظاهر ركن الدين الصالحي فعمل في أيامه باقي المسجدالشريف ولما احترق المنبر المذكور أرسل الملك المظفر صاحب اليمن في سنةست وخمسين بمنبر عمله فوضع موضع منبر النبي صلى الله عليهوآله وسلم ولم يزل إلى سنة ست وستين وست مائة يخطب عليه وزبنتاه من الصندل فأرسل الملك الظاهر هذا المنبر الموجود اليوم فقلع منبر صاحب اليمن وحمل إلى حامل الحرم وهو باق إلى اليوم ونصب هذا مكانه وطوله أربعة أذرع ومن رأسه إلى عينيه سبعة أذرع يزيدقليلاً وعدددرجاته سبع بالمقعد وبين المنبر ومصلى رسول الله صلى الله عليهوآله وسلم أربع عشرة فراعاًوشبر وبين القبر الشريف المحفوف بالنور وبين المنبرالمشرف المذكورثلاثة وخمسون فراعًا وبين المصلىالمبارك المذكور وبين آخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القديم المشكور على ما ذكره الحافظ أبو الحسن رزين بن معاويةبن عمران العبدري الأندلسي في كتابه في ذكردارالهجرة فإنه ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زاد في مسجده زيادتين الزيادة الأخيرة بلغت فيها مساحته منها مائة ذراع وجعل عرضه كطوله في الإتساع قلت‏:‏ هذا ما اقتصرت عليه تنبيهًا على ما يحتاج إليه‏.‏

وفي سنة أربع وخمسين التي وقع في الحريق المذكور وظهور النار المذكورة وكان غرق بغداد بزيادة دجلة زيادة ما سمع بمثلها وغرق خلق كثير ووقع شيء كثير من الدور على أهلها وأشرف الناس على الهلاك وغرقت المراكب في أزقة بغداد وركب الخليفة في مركب وابتهل الخلق إلى الله تعالى بالدعاء‏.‏

وفيها ملكت التتار سائر الروم بالسيف‏.‏

وفيها توفي شيخ الطريق العارف بالله ذوالتحقيق عبدالله بن محمد الرازي الصوفي وفيها توفي الشيخ الكبير الشأن أوالجد والاجتهاد والأحوال عيسى بن أحمد الجويني صاحب الشيخ عبد الله بن أحمد المتقدم ذكره كان صوامًا قوامًا متبتلاً قانتًا منقطع القرين حسن العيش في مطعمه وملبسه يقال له‏:‏ سلاب الأحوال بجدة فيه مع ذلك‏.‏

وفيها توفي الكمال أبو البركات المبارك بن حمدان الموصلي مؤلف عقود الجمان في شعراء الزمان‏.‏

وفيها توفي العلامة الواعظ المؤرخ شمس الدين أبو المظفر يوسف التركي ثم البغدادي المعروف بابن الجوزي سبط الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي أسمعه جده منه ومن جماعه وقدم دمشق سنةبضع وست مائة فوعظ بهاوحصل له القبول العظيم للطف شمائله وعذوبةوعظه وله تفسير في تسعة وعشرين مجلدًا وشرح الجامع الكبير وجمع مجلداًفي مناقب أبي حنيفةرضي الله عنه ودرس وأفتى وكان في شبيبته حنبليًا ولم يزل وافر الحرمة عند الملوك سنةخمس وخمسين وست مائة وفيها قتل صاحب مصر الملك المعزالتركماني وكان ذاعقل ودين ثم أقاموابعده ابنه الملك المنصورسلطانًا وكان قتل الملك المعزفي الحمام‏.‏

قتله أم خليل الآتي ذكرهاغيرة لماخطب ابنة صاحب الموصل فقتلوها‏.‏

وفيها توفيت أم خليل المذكورة شجرةالدر كانت بارعة الحسن ذات عقل ودهاء وأحبها الملك الصالح ولما توفي أخفت موته وكانت تعلم بخطها علامته ونالت من سعادة الدنيا أعلى الرتب بحيث أنه خطب لهاعلى المنابر وملكوهاعليهم أياماً فلم يتم ذلك وتملك المعزالمذكور فتزوج بها وكانت ربما تحكم وكانت تركية ذات شهامة وإقدام وجرأة وآل أمرها إلى أن قتلت تحت قلعة مصرمصلوبة ثم دفنت بتربتها‏.‏

وفيها توفي العلامة القدوة نجم الدين أبوعبدالله محمدبن عبدالله بن محمدبن أبي الشافعي الفرضي سمع من جماعةوبرع في المذهب ودرس بالنظامية ثم ترسل عن الخلافة غيرمرة وبنى بدمشق مدرسة كبيرة وولى في آخرعمره قضاء العراق خمسة عشر يوماً ثم مات وكان متواضعًا دمث الأخلاق سريًا محتشمًا‏.‏

وفيهاتوفي الإمام العلامةشرف الدين أبوعبدالله محمدبن أبي الفضل السلمي الأندلسي المحدث المفسر النحوي رحل إلى أقصى خراسان‏.‏

وسمع الكثير ورأى الكبار وكان جماعةلفنون العلم ذكياًثاقب الذهن صاحب تصانيف كثيرة مع زهد وورع وفقر وتعفف فيها دخلت التتار بغداد ووضعواالسيف واستمرالقتل والسبي نيفًا وثلاثين يومًا فقل من نجا فيقال‏:‏ إن في القتلىبلغواألف ألف وثمان مائة وكسراً وسبب دخولهم أن الملك المؤيد ابن العلقمي كاتبهم وحرضهم على قصد بغداد لأجل ما جرى علىاخوانه الرافضةمن النهب والخزي وظن النفيس أن الأمروأنه يبقى خليفة علويًا وكان يكاتبهم سرآ ولا يسهل لهم الأمر ولا يدع المكاتبات تصل إلى الخليفة ممن يرفع إليه الأعلام فخاف فأشار الوزير ابن العلقمي على المعتصم بالله أني أخرج إليهم في تقرير الصلح فخرج الخبيث وتوثق لنفسه بالأمان ورجع فقال للخليفة‏:‏ إن الملك قد رغب في أن يزوج ابنته بابنك الأمير أبي بكر وأن يكون الطاعة له كما كان أجدادك مع الملوك السلجوقية ثم ترحل فخرج إليه المعتصم في أعيان الدولة ثم استدعى الوزير العلماء والرؤساء ليحضروا العقد بزعمه وكيده فخرجوا فضربت رقاب الجميع وصار كذلك يخرج طائفة بعد طائفة فتضرب أعناقهم حتى بقيت الرعية بلا راع وقتل من أهل الدولة وغيرهم ما قتل من العدد المذكور‏.‏

وفيها توفي أبو الفضل زهير بن محمدالمهلبي الكاتب كان من فضلاء عصره وأحسنهم نظمًا ونثراًوخطًا ومن أكثرهم مروءة وكان قد اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح ابن أيوب ابن الملك الكامل في خدمته إلى البلاد الشرقية وأقام بها إلى ملك الملوك الصالح دمشق فانتقل إليها في خدمته‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ وكنت أسمع به حتى اجتمعت به قرابته فوق ما سمعت عنه من مكارم الأخلاق وكثرة الرياضة ودماثة السجايا وكان الاجتماع في القاهرة لما رجع الملك الصالح إلى الديار المصرية وكان لا يتوسط عنده إلاًبخير فنفع خلقًا كثيرًا بحسن وساطته وجميل سفارته‏.‏وله شعر‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ وكل شعره لطيف وذكر شيئًامنه في تاريخه ولكن للاختصار والتخفيف لم أكتب شيئًامنه ولا أعجبني ولا قوي عزمي الضعيف‏.‏

وفيها توفي أبو العباس القرطبي أحمد بن عمر الأنصاري المالكي المحدث نزيل اسكندرية كان من كبار الأئمة سمع بالعرب من جماعة واختصر للصحيحين وصنف كتاب المفهم في شرح مختصرصحيح مسلم‏.‏وفيها توفي الحافظ أبو علي الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد ببغداد هذا الاسم الشريف خمس مرات ابن عمروك التيمي البكري النيسابوري ثم الدمشقي الصوفي سمع بمكة ودمشق وخراسان وأصفهان وكتب الكثير وجمع وصنف وشرع في مسودة ذيل على تاريخ ابن عساكر وولي مشيخة الشيوخ وحسبة دمشق وعظم شأنه في دولة المعظم ثم تضعضع شأنه وابتلى بالفالج في آخر عمره ثم تحول إلى مصر فتوفي بها‏.‏

من طائفة وحفظ خطب ابن نباتة وديوان المتنبي ومقامات الحريري‏.‏وفيها توفي الملك الناصر داود ابن المعظم ابن العادل صاحب الكرك صلاح الدين أجاز له المؤيد الطوسي وسمع ببغداد وكان حنفيًا فاضلاً مناظرًا ذكيًا بصيرًا بالأدب بديع النظم ملك دمشق بعد أبيه ثم أخذها منه عمه الأشرف فتحول إلى مدينة الكرك فملكهااحدى وعشرين سنة ثم عمل عليه ابنه وسلمها إلى صاحب مصر الملك الصالح وزالت مملكته وكان جوادًا ممدحًا‏.‏

وفيها توفي المعتصم بالله عبدالملك بن المستنصر بالله العباسي أخو الخلفاء العراقيين وكانت دولتهم خمس مائة سنة وأربعًاوعشرين سنة وكان حليمًاكريمًاسليم الباطن قليل الرأي حسن الديانة مبغضًاللبدعة سمع وأجيز له ثم رزق الشهادة في دخول التتار بغداد على ما تقدم‏.‏

لما ظفر به ملكهم أمر به وبولده أبي بكر فرفساحتىماتا وبقي الوقت بلا خليفة ثلاث سنين‏.‏

وفيها توفي الحافظ الكبير زكي الدين عبد العظيم بن عبدالقوي المنذري الشامي ثم المصري الشافعي صاحب التصانيف وله معجم كبير مروي ولي مشيخة الكامليةمدة وانقطع بها مدة نحوًامن عشرين سنة مكبًاعلى العلم والإفادة وكان ثبتًاحجة متبرعاًمتبحرًا في فنون الحديث عارفًابالفقه والنحو مع الزهد والورع والصفات الحميدة‏.‏

وفيها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الخبير الفقيه الإمام علم العلماء بالله الأعلام معدن الأسرار وبحر العلوم الجمةالمودع درر المعارف‏.‏

وجواهر الحكمة الممنوع رفيع المقامات والأحوال السنية المشهور بعظيم الكرامات والمناقب العلية‏.‏

المعترف له بكثر العلوم‏.‏

المشهود له بالقطبية جامع الفضائل والمفاخر والمحاسن وعلوم الشريعة والحقيقة الظواهر والبواطن الني نافت علومه على مائة علم وعشرة ولم يدخل في الطريقة حتىكان بعد للمناظرة الناشر على الكون جلة كمال محاسن الطريقة والناثر على الوجود يواقيت معارف أسرار الحقيقة المشرقات شموس معارفه غياهب الظلم الناطق لسان حاله بالعبر ولسان مقاله بالحكم‏.‏

صاحب الفتح الجليل والمنهج الجزيل والمنصب العالي أستاذالعارفين ودليل السالكين أبو الحسن الشاذلي علي بن عبدالله بن عبد الجبار الشريف الحسيب النسيب الحسني قئس الله تعالى روحه وسقي بماء الرحمة ضريحه وما نسبة القطرة من ماء البحر الزاخر عند تعدادماجرىمن الفضائل والمفاخر‏.‏وقال الشيخ الامام العارف بالله تاج الدين بن عطاء الله‏:‏ قيل للشيخ أبي الحسن من هو شيخك يا سيدي في‏.‏

فقال‏:‏ كنت أنتسب إلىالشيخ عبد السلام بن مشيش‏.‏

بالشين المعجمة المكررة وبينهمامثناةمن تحت وفتح الميم في أوله ثم قال‏:‏ وأناالآن لاأنتسب لأحد بل أعوم في عشرة أبحر‏.‏

خمسة من الأدميين النبي صلىالله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخمسة من الروحانيين جبرائيل وميكايل وعزرائيل وإسرافيل والروح وقال تلميذه الشيخ الكبيرإمام العارفين ودليل السالكين مظهر الأنوار ومقرالأسرار السامي إلىالجناب القدوسي عالي المقامات وعالي الكرامات أبو العباس المرسي رضي الله تعالى عنه‏:‏ جلت في ملكوت الله فرأيت أبا مدين متعلقًا بساق العرش وهورجل أشقر أزرق العينين فقلت له‏:‏ ما علومك ومامقامك فقال‏:‏ أماعلومي فأحد وسبعون علمًا وأما مقامي فرابع الخلفاء ورأس السبعة الأبدال قلت‏:‏ فماتقول في شيخي أبي الحسن الشاذلي‏.‏

فقال‏:‏ زاد علي بأربعين علمًا وهو الذي لايحاط به‏.‏

ؤقال الشيخ أبو الحسن المذكور‏:‏ رأيت رسول الله صلىالله عليه وآله وسلم وهو يقول‏:‏ ‏"‏ يا علي طهر ثيابك من الدنس تحظ بمددالله في كل نفس ‏"‏ قلت‏:‏ يارسول الله وما ثيابي فقال‏:‏ اعلم أن الله تعالىقدخلع عليك خمس خلع خلعة المحبة وخلعة المعرفة وخلعة التوحيد وخلغة الإيمان وخلعة الإسلام ومن أحب الله هان عليه كل شيء ومن عرف الله صغر في عينه كل شيء ومن وحد الله لم يشرك به شيئاً ومن آمن بالله آمن من كل شيء ومن أسلم لله لم يعصه وإن عصاه اعتذرإليه وإن اعتذرإليه قبل عذره ففهمت عند ذلك معنى‏.‏قوله عز وذكره الشيخ المشكورالعارف الشهورصفي الدين بن أبي منصورفي رسالته وأثنى عليه الثناء العظيم وذكره الشيخ الإمام السيد الجليل شيخ الحديث في زمانه قطب الدين ابن الشيخ الإمام العارف بالله أبي العباس‏.‏

القشطلاني في مشيخته‏.‏وذكره الشيخ الإمام الكبير الشأن أبوعبدالله النعمان وشهد له بالقطبية‏.‏

وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله المذكور‏:‏ أخبرني الشيخ العارف مكين الدين الأسمر قال‏:‏ حضرت‏.‏

المنصورة في خيمة فيهاالشيخ الإمام مفتي الأنام عز الدين بن عبد السلام والشيخ مجدد الدين علي بن وهب القشيري المدرس والشيخ‏.‏

محيي الدين بن سراقة والشيخ مجد الدين الأخميمي والشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنهم أجمعين ورسالة القشيري تقرأ عليهم وهم يتكلمون والشيخ أبوالحسن صامت إلى أن فرغ كلامهم فقالوا‏:‏ يا سيدي نريدأن نسمع منك فقال‏:‏ أنتم سادات الوقت وكبراؤه وقد تكلمتم فقالوا‏:‏ لا بد أن نسمع منك‏.‏

قال‏:‏ فسكت الشيخ ساعة ثم تكلم بالأسرار العجيبة والعلوم الجليلة فقال الشيخ عز الدين وقد خرج من صدر الخيمة وفارق موضعه‏:‏ اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله تعالى‏.‏

انتهى‏.‏

قلت‏:‏ اسمع أنت أيها الواقف على هذا الكتاب كلام هذا الإمام الهمام علم العلماء الأعلام العارف بالله رفيع المقام عز الدين بن عبد السلام وكلام السادة المذكورين الأولياء المشكورين والعلماء المشهورين في تعظيمهم الشيخ أبا الحسن ومدحهم له وثنائهم عليه واشاراتهم إليه وكلام الحشوية في إنكارهم عليه وطعنهم فيه‏.‏

وقول بعض أهل الشام في تاريخه‏:‏ الشيخ أبو الحسن الشاذلي علي بن عبدالله بن عبد الجبار المغربي الزاهد شيخ الطائفة الشاذلية سكن الاسكندرية وصحبه بها جماعة وله عبارات في التصوف مشكلة يوهم ويتكلف له في الاعتذار عنها فهل ترجمته هذه مدح له كلا بل هي في الحقيقة قدح فيه وغض من جميل صفاته وخفض لعلومنزلته ورفيع درجاته وانتقاص لعظم شرف جلالة قدره وانزال ما على الثريا من علا معالي فخره في تخوم ثرى أرض سماء عليا فضله‏.‏

كم هي عادته في وضع أوصاف الأكابر مثله في الشيوخ الصوفية العارفين بالله أولى النور الزاهر واجلال العلماء الأعلام من الأئمة الأشعرية المحققين أهل الحق الظاهر ورفع أوصاف الأئمة الحشوية الحامدين على الظواهر ولا يصح الاعتذار عنه يكون كتابه الذي ذكر في ترجمة الشيخ المذكور مختصر الوجهين‏.‏

أحدهما أنه قد أطنب فيه بمدح كثيرين ورفع أوصافهم ممن ذكرت والثاني أنه يمكن مع اختصار الكلام التفخيم في الوصف بذكر بعض المناقب العظام ألا ترى إلى وصفه الشيخ المذكور بقوله‏:‏ الزاهد وكذلك يفعل في غيره من أكابر الصديقين والمقربين والأئمة الهداة العارفين ينابيع الأسرار ومطالع الأنوار كسيدي أحمد بن الرفاعي وغيره من أئمة العارفين السادة يقتصر في مدح الواحد منهم على الزهد الذي هو مبادىء سلوك أهل الإرادة فهلا أبدل لفظ الزاهد بالعارف أو الإمام أو المرشد أو المربي أو الرباني أو المقرب أو الصفوة وما أشبه ذلك وما المانع من زيادة ألفاظ يسيرة مثل الشيخ العارف بحر المعارف أو إمام الطريقة ولسان الحقيقة وأستاذالأكابر الجامع بين علمي الباطن والظاهر أو نحو ذلك من الألفاظ اليسيرة المتضمنة لقطرة من بحر فضائلهم الشهيرة‏.‏

وكذلك قوله في عباراته‏:‏ إنها توهم وإنه يتكلف له في الاعتذار عنها أين قوله هذا من قول الإمام المتفق على الإجلال له والاعظام وجلالة مناقبه العظام عز الدين بن عبد السلام المتقدم ذكره لما تكلم الشيخ أبو الحسن وكشف الخمار عن محاسن المعارف والأسرار وكذلك أين قوله المذكور وترجمته المذكورة عنه من قول الشيخ العارف الفقيه الإمام المشكور المشهور صاحب السر المودع والفتح والمعارف والنوراني سليمان داود الاسكندراني تلميذ الشيخ الكبيرالإمام الشهير العارف بالله الخبير تاج الدين بن عطاء الله المتقدم ذكره في ترجمته عنه حيث قال في ذكر بعض أوصافه‏:‏ هو السيد الأجل الكبير القطب العارف الوارث المحقق الرباني صاحب الاشارات العلية والعبارات السنية والحقائق القدسية والأنوار المحمدية والأسرار الربانيه والهمم العرشية والمنازلات الحقيقية‏.‏

الحامل في زمانه لواء العارفين والمقيم فيه دولة علوم المحققين كهف قلوب السالكين وقبلة همم المريدين وزمزم أسرار الواصلين وجلاء قلوب الغافلين منشىء معالم الطريقة بعد خفاء اثارها ومبدىء علوم الحقيقة بعد خبوء أنوارها ومظهرعوارف المعارف بعد خفائها واستتارها الدال على الله تعالى وعلى سبيل جنته والداعي علىعلم وبصيرة إلى جنابه وحضرته‏.‏

أوحد أهل زمانه علماً وحالاً ومعرفةً ومقالاً الشريف الحبيب النسيب المحمدي العلوي الحسني الفاطمي الصحيح النسبين والكريم الطرفين فحل الفحول إمام السالكين علي الشاذلي الذي يغنيك سمعته عن مديح ممتدح أو قول منتحل جاء في طريق الله بالأسلوب العجيب والمنهج الغريب والمسلك العزيز القريب‏.‏قلت‏:‏ هذا بعض وصفه الذي ذكرت فيه شيئًامن أوصافه اقتصرت عليه رغبة في الاختصار وفي بعضه كفاية ذوي الاستبصار‏.‏

ومن كلامه رضي الله تعالى عنه قوله‏:‏ إذا جالست العلماءفجالسهم بالعلوم المنقولات والروايات الصحيحة‏.‏

إماأن تفيدهم أو تستفيد منهم وذلك غاية الريح معهم وإذا جالست العباد والزهاد فاجلس معهم على بساط الزهد والعبادة وحل لهم ما استمرروه وسهل عليهم ما استوعروه وذوقهم من المعرفة ما لم يذوقوه‏.‏

وإذا جالست الصديقين ففارق ما تعلم ولا تنتسب بما تعلم تظفر بالعلم المكنون وبصائر أجرهاغيرممنون‏.‏

وقوله‏:‏ والمحبة أخذة من الله لقلب عبده عن كل شيء سواه فترى النفس مائلة إلى طاعته والعقل متحصناًبمعرفته والروح مأخوذًا في حضرته‏.‏

والسرمعمورًا في مشاهدته والعبد يستزيد فيزاد ويفاتح بما هو أعذب من لذيذ مناجاته فيكسي حلل التقريب على بساط القربة ويمس أبكار الحقائق وثيبات العلوم فمن أجل ذلك قالوا‏:‏ أولياء الله عرائس ولا يرى العرائس المجرمون‏.‏

وقال‏:‏ له قائل‏:‏ قد علمت الحب فما شراب الحب وما كأس الحب ومن الساقي وما الذوق وما الشرب وما الري وما السكر وما الصحو قال رضي الله تعالى عنه‏:‏ الشراب هو النور الساطع عن جمال المحبوب والكأس هو اللطف الموصل ذلك إلى أفواه القلوب والساقي هو المتولي الخصوص الأكبر والصالحين من عباده وهو الله العالم بالمقادير ومصالح أحبائه فمن كشف له عن ذلك الجمال وحظي بشيء منه نفسًاأونفسين‏.‏

ثم أرخى عليه الحجاب فهو الذائق المشتاق ومن دام له ذلك ساعة أو ساعتين فهو الشارب حقًا ومن توالى عليه الأمر ودام له الشرب حتى امتلأت عروقه ومفاصله من أنوار الله المخزونة فذلك هو الري وربماغاب عن المحسوس والمعقول فلا يدري ما يقال ولا ما يقول فذلك هو السكر وقد يدور عليهم الكاسات وتختلف لديهم الحالات ويرعون إلى الذكر والطاعات ولا يحجبون عن الصفات مع تزاحم المقدورات فذلك وقت صحوهم واتساع نظرهم ومزيد علمهم فهو نجوم العلم وقمر التوحيد يهتدون في ليلهم وبشموس المعارف يستضيئون في نهارهم ‏{‏أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون‏}‏ وله من الكرامات من المكاشفات وغيرها ما لا يحتمل ذكره هذا الكتاب من ذلك ما ذكره تلميذ الشيخ أبو العباس المرسي المتقدم ذكره قال‏:‏ خرجت من المدينة الشريفة لزيارة قبر عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمزة رضي الله عنه فلما كنت في أثناء الطريق تبعني إنسان فلما وصلنا لقينا باب القبة مغلقًا ثم انفتح لنا ببركة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخلنا فلقينا عنده رجل يدعو فقلت لرفيقي هذا من الإبدال والدعاء في هذه الساعة مستجاب فدعا إلى الله تعالى أن يرزقه ديناراً وسألت الله أن يعافيني من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة فلما رجعنا وقربنا بالمدينة لقينا إنسانًا فأعطى رفيقي ديناراً فلما دخلنا المدينة‏.‏

وقع نظر الشيخ أبي الحسن علينا فقال لرفيقي‏:‏ يا خسيس الهمة صادفت ساعة اجابة ثم صرفتها إلى دينار هلا كنت مثل أبي العباس سأل الله تعالى أن يعافيه من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة وقد فعل له ذلك قلت‏:‏ هذا معنى ما روي عنه وإن لم تكن جميع ألفاظها بعينها‏.‏

ومن ذلك ما اشتهر أنه لما دفن بحميراًعذب ماؤها بعد أن كان ملحًا وهي صحراء عيذاب وتوفي فيها متوجهاًإلى بيت الله الحرام وقبره هناك مشهور مزور على ممر الأيام والشيخ أبو الحسن الشاذلي المذكور مبدأ ظهوره بشاذلة على القرب من تونس‏.‏

قال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله‏:‏ لم يدخل في طريق القوم حتى كان يعد للمناظرة وكان متضلعاً بالعلوم الظاهرة جامعاً لفنونها عن تفسير وحديث ونحو وأصول وآداب وكانت له السياحات الكثيرة ثم جامحه بعد ذلك العطاء الكثير والفضل الغريز واعترف بعلو منزلته من عاصره من أكابر العلماء والأولياء العارفين بالله تعالى وهذا ما اقتصرت عليه من ترجمته‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الشيخ الجليل صاحب الأحوال والكرامات الشيخ علي المعروف بالخباز أحد مشايخ العراق قتل شهيداً‏.‏

وفيها توفي المقرىء العلامةمحمدبن أحمد الموصلي الحنبلي الذي اختصر الشاطبية كان شابًا فاضلاً صالحًا محققًا توفي بالموصل وعمره ثلاث وثلاثون سنة‏.‏

قرأ على رجلين قرأ على الشاطبي وكان فقيهًابارعاً عارفًا متفننًا متين الديانة جليل القدر تصدرللإقراء بحلب مدة‏.‏

وفيها توفي الوزيرالرافضي ابن العلقمي المتقدم ذكره محمد بن محمدالملقب مؤيد الدين ولي وزارة العراق أربع عشرة سنة وكان ذا حقد وغل على أهل السنة قرر مع التتاز أمورًا كانت سبب دخولهم بغداد ثم انعكس حاله وأكل يده ندمًا وبقي بعد تلك الرتبة الرفيعة في حالة وضيعة وصاحت امرأة به وهو ماريا ابن العلقمي أهكذا كنت في أيام أمير المؤمنين

وولي مع غيره وزارة التتار على بغداد بطريق الشركة ئم مرض بعد قليل ومات غمأ وتعبًا‏.‏

وفيها توفي الشيخ الصالح القدوة أبو زكريا يحيى بن يوسف الصرصري الأصل البغدادي الضرير وكان إليه المنتهى في معرفة اللغة وحسن الشعر وديوانه مشهورومدائحه سائرة قيل إنه قتل بعض التتار بعكازة ثم استشهد‏.‏

وفيها توفي سفير الخلافة محيىالدين يوسف ابن الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن المعروف بابن الجوزي كان أستاذ دار المعتصم كثير المحافظة قوي المشاركة في العلوم وافر الحشمة ضربت عنقه هو وأولاوده‏.‏

فيها قبض غلمان المعز على ابن أستاذه الملك المنصور وتسلطن ولقب بالملك المظفر لحاجة الوقت إلى ملك كاف‏.‏

وفيها توفي المحدث المعمر أبو العتاس أحمد بن محمد الفارسي نزيل القاهرة وكان صالحاً عالمًاخيرًا روى بالإجازة العامة عن أبي الوقت‏.‏

وفيهاتوفي صاحب الموصل الملك الرحيم بدرالدين لؤلؤالأرمني مملوك نورالدين أرسلان شاه كان مدير دولة أستاذه ثم آل أمره إلى أن استقلىبالسلطنة وكان حازما شجاعًا مدبرًا خبيرًا‏.‏